تضخم غير مسبوق.. ارتفاع الأسعار يضغط على الأسر الإيرانية ويفاقم الأزمات المعيشية

تضخم غير مسبوق.. ارتفاع الأسعار يضغط على الأسر الإيرانية ويفاقم الأزمات المعيشية
ارتفاع أسعار الخبز في إيران

تشهد إيران موجة تضخم غير مسبوقة تضاعفت خلالها أسعار الخبز والحبوب بنسبة تصل إلى 100 في المائة خلال العام الماضي، وسط ارتفاعات قياسية شملت معظم السلع الأساسية والخدمات اليومية، وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 66 في المئة، بينما سجلت بعض المجموعات ارتفاعات أعلى بكثير، ما يجعل الأسر الإيرانية تنفق نحو نصف ما كانت تنفقه في العام السابق لشراء السلة الغذائية نفسها.

ارتفاع شامل للأسعار

وفق تقرير نشرته شبكة "إيران إنترناشيونال" الجمعة لم تقتصر الزيادة على المواد الغذائية فحسب، بل طالت مجموعة واسعة من السلع والخدمات، فأسعار الفاكهة والمكسرات ارتفعت بنسبة 108 في المائة، والخضراوات 69 في المائة، والمشروبات 68.3 في المائة، والأسماك والرخويات 52.3 في المائة، ومنتجات الألبان كاللبن والجبن والبيض 48.6 في المائة، أما السلع غير الغذائية فقد شهدت ارتفاعات متفاوتة، من بينها الملابس والأحذية بنسبة 42.6 في المائة، والإسكان والمرافق العامة بنسبة 35.8 في المائة، والإيجارات بنسبة 33.4 في المائة، والمركبات 40 في المائة، والنقل العام 54.6 في المائة.

أظهرت البيانات أن التضخم النقطي في نوفمبر الجاري، أي التغير في الأسعار مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بلغ 49.4 في المائة، مع ارتفاع شهري بنسبة 3.4 في المائة مقارنة بشهر أكتوبر الماضي، فيما وصل متوسط معدل التضخم السنوي إلى 40.4 في المائة، ما يعكس زيادة عامة في أسعار السلع والخدمات على مدى اثني عشر شهراً، يوضح هذا الارتفاع أن الضغوط التضخمية لا تقتصر على فئة معينة من السلع، بل تمتد لتشمل الطاقة، الخدمات، النقل، الصحة، التعليم، الترفيه، والفنادق والمطاعم، بما يخلق عبئاً مستمراً على الأسر الإيرانية.

تتباين آثار التضخم بين شرائح الدخل المختلفة، إذ سجلت الشريحة الأولى من الأفقر معدل تضخم يبلغ 41.7 في المائة، فيما بلغ المعدل لدى الأغنى 39.5 في المائة، بفارق بلغ 2.2 نقطة مئوية، وهو ارتفاع طفيف عن الشهر السابق، وهذا الفارق يشير إلى أن الأسر الأكثر فقراً تعاني بشكل أكبر من ارتفاع تكاليف المعيشة، إذ يزداد الضغط المعيشي عليها مع كل ارتفاع جديد للأسعار.

تأثير على الغذاء والطاقة

أحدثت الزيادة القياسية في أسعار الخبز والحبوب صدمة واسعة داخل إيران، حيث يعتبر الخبز جزءاً أساسياً من النظام الغذائي اليومي، كما تزامنت هذه الزيادات مع تطبيق نظام الأسعار الثلاثية للبنزين، ما أثار مخاوف واسعة من استمرار موجات التضخم خلال الأشهر المقبلة، وأشار مسؤولون حكوميون إلى أن إدارة استهلاك الطاقة، وتعديل أسعار البنزين، وتعزيز برامج كوبونات الشراء تمثل أدوات أساسية للحد من آثار التضخم على المواطنين.

أوضح محمد جعفر قائم بناه، المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني، أن الحكومة تهدف إلى توفير السلع الأساسية مثل اللحوم والدجاج والأرز والمعكرونة والزيت والبقوليات والجبن عبر برنامج كوبونات الشراء، لضمان الأمن الغذائي للأسر وتقليل آثار ارتفاع التكاليف، وأضاف أن هذه الإجراءات مصممة لتخفيف الضغط المعيشي وتقديم حلول مؤقتة بينما تسعى الحكومة إلى إصلاح أوسع للسياسات الاقتصادية.

تأثيرات نفسية واجتماعية

ارتفاع أسعار السلع الأساسية لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يمتد ليشمل الأثر النفسي والاجتماعي على المواطنين، فالأسر الإيرانية تواجه صعوبة في تلبية احتياجاتها اليومية، ويزيد القلق حول قدرتها على توفير الغذاء والطاقة والخدمات الصحية، ما ينعكس في ارتفاع معدلات التوتر والضغط النفسي، كما أن زيادة تكلفة المعيشة تؤثر على الخيارات الاستهلاكية وتحد من القدرة على الادخار، ما يعمق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية المختلفة داخل إيران.

السلطات تعترف بالضغط على المواطنين

أقرّت الحكومة بوجود ارتفاع كبير في الأسعار، حيث قالت المتحدثة باسمها فاطمة مهاجراني إن السلطات تعي حجم الصعوبات المعيشية ولا تمانع الاعتذار للمواطنين متى لزم الأمر، وهذه الاعترافات الرسمية تأتي وسط مطالب شعبية متزايدة بمزيد من الدعم والحماية للفئات الأكثر ضعفاً، مع استمرار التضخم في الضغط على الحياة اليومية.

تواجه إيران منذ سنوات تحديات اقتصادية متعددة نتيجة تراكم الضغوط التضخمية، ارتفاع أسعار الطاقة، وقيود على الاستيراد والعقوبات الدولية، ويعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير على الواردات في بعض المواد الأساسية، ما يجعل الأسعار حساسة للتغيرات في السوق العالمي وسعر صرف العملة المحلية. كما تؤثر السياسات النقدية والمالية على معدل التضخم، حيث يؤدي تضخم العملة إلى زيادة تكلفة المعيشة بشكل مباشر.

التاريخ الاقتصادي للبلاد يظهر أن موجات التضخم العالية غالباً ما تكون مصحوبة بتدهور القدرة الشرائية للأسر وارتفاع الفوارق الاجتماعية، ما يزيد من هشاشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ويستدعي تدخلات عاجلة من الحكومة لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية